# ar/jalalayn.xml.gz
# ar/muyassar.xml.gz
(src)="s1.1"> « بسم الله الرحمن الرحيم »
(trg)="s1.1"> سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة ؛ لأنه يفتتح بها القرآن العظيم ، وتسمى المثاني ؛ لأنها تقرأ في كل ركعة ، ولها أسماء أخر . أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به ، ( اللهِ ) علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه ، وهو أخص أسماء الله تعالى ، ولا يسمى به غيره سبحانه . ( الرَّحْمَنِ ) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق ، ( الرَّحِيمِ ) بالمؤمنين ، وهما اسمان من أسمائه تعالى ، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله .
(src)="s1.2"> « الحمد لله » جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها من أنه تعالى : مالك لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه ، والله علم على المعبود بحق « ربِّ العالمين » أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم ، وكل منها يُطلق عليه عالم ، يقال عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك ، وغلب في جمعه بالياء والنون أولي العلم على غيرهم ، وهو من العلامة لأنه علامة على موجده .
(trg)="s1.2"> ( الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ) الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال ، وبنعمه الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه ، فهو المستحق له وحده ، وهو سبحانه المنشئ للخلق ، القائم بأمورهم ، المربي لجميع خلقه بنعمه ، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح .
(src)="s1.3"> « الرحمن الرحيم » أي ذي الرحمة وهي إرادة الخير لأهله .
(trg)="s1.3"> ( الرَّحْمَنِ ) الذي وسعت رحمته جميع الخلق ، ( الرَّحِيمِ ) ، بالمؤمنين ، وهما اسمان من أسماء الله تعالى .
(src)="s1.4"> أي الجزاء وهو يوم القيامة ، وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا الله تعالى بدليل « لمن الملك اليوم ؟ لله » ومن قرأ مالك فمعناه الأمر كله في يوم القيامة أو هو موصوف بذلك دائمًا « كغافر الذنب » فصح وقوعه صفة لمعرفة .
(trg)="s1.4"> وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة ، وهو يوم الجزاء على الأعمال . وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر ، وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح ، والكف عن المعاصي والسيئات .
(src)="s1.5"> « إيَّاك نعبد وإياك نستعين » أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ونطلب المعونة على العبادة وغيرها .
(trg)="s1.5"> إنا نخصك وحدك بالعبادة ، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا ، فالأمر كله بيدك ، لا يملك منه أحد مثقال ذرة . وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده ، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله ، ومن أمراض الرياء والعجب ، والكبرياء .
(src)="s1.6"> « اهدنا الصراط المستقيم » أي أرشدنا إليه ، ويبدَل منه :
(trg)="s1.6"> دُلَّنا ، وأرشدنا ، ووفقنا إلى الطريق المستقيم ، وثبتنا عليه حتى نلقاك ، وهو الإسلام ، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته ، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه .
(src)="s1.7"> « صراط الَّذين أنعمت عليهم » بالهداية ويبدل من الذين بصلته « غير المغضوب عليهم » وهم اليهود « ولا » وغير « الضالِّين » وهم النصارى ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى . والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اَله وصحبه وسلم تسليما كثيراً دائما أبداً ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
(trg)="s1.7"> طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين ، فهم أهل الهداية والاستقامة ، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم ، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به ، وهم اليهود ، ومن كان على شاكلتهم ، والضالين ، وهم الذين لم يهتدوا ، فضلوا الطريق ، وهم النصارى ، ومن اتبع سنتهم . وفي هذا الدعاء شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال ، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام ، فمن كان أعرف للحق وأتبع له ، كان أولى بالصراط المستقيم ، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم السلام ، فدلت الآية على فضلهم ، وعظيم منزلتهم ، رضي الله عنهم . ويستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة : ( آمين ) ، ومعناها : اللهم استجب ، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق العلماء ؛ ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف .
(src)="s2.1"> « الم » الله أعلم بمراده بذلك .
(trg)="s2.1"> هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطَّعة في أوائل السور فيها إشارة إلى إعجاز القرآن ؛ فقد وقع به تحدي المشركين ، فعجزوا عن معارضته ، وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب . فدَلَّ عجز العرب عن الإتيان بمثله -مع أنهم أفصح الناس- على أن القرآن وحي من الله .
(src)="s2.2"> « ذلك » أي هذا « الكتاب » الذي يقرؤه محمد « لا ريب » لا شك « فيه » أنه من عند الله وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم « هدىً » خبر ثان أي هاد « للمتقين » الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار .
(trg)="s2.2"> ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي لا شَكَّ أنه من عند الله ، فلا يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه ، ينتفع به المتقون بالعلم النافع والعمل الصالح وهم الذين يخافون الله ، ويتبعون أحكامه .
(src)="s2.3"> « الذين يؤمنون » يصدِّقون « بالغيب » بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار « ويقيمون الصلاة » أي يأتون بها بحقوقها « ومما رزقناهم » أعطيناهم « ينفقون » في طاعة الله .
(trg)="s2.3"> وهم الذين يُصَدِّقون بالغيب الذي لا تدركه حواسُّهم ولا عقولهم وحدها ؛ لأنه لا يُعْرف إلا بوحي الله إلى رسله ، مثل الإيمان بالملائكة ، والجنة ، والنار ، وغير ذلك مما أخبر الله به أو أخبر به رسوله ، ( والإيمان : كلمة جامعة للإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وتصديق الإقرار بالقول والعمل بالقلب واللسان والجوارح ) وهم مع تصديقهم بالغيب يحافظون على أداء الصلاة في مواقيتها أداءً صحيحًا وَفْق ما شرع الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما أعطيناهم من المال يخرجون صدقة أموالهم الواجبة والمستحبة .
(src)="s2.4"> « والذين يؤمنون بما أنزل إليك » أي القراَن « وما أنزل من قبلك » أي التوراة والإنجيل وغيرهما « وبالآخرة هم يوقنون » يعلمون .
(trg)="s2.4"> والذين يُصَدِّقون بما أُنزل إليك أيها الرسول من القرآن ، وبما أنزل إليك من الحكمة ، وهي السنة ، وبكل ما أُنزل مِن قبلك على الرسل من كتب ، كالتوراة والإنجيل وغيرهما ، ويُصَدِّقون بدار الحياة بعد الموت وما فيها من الحساب والجزاء ، تصديقا بقلوبهم يظهر على ألسنتهم وجوارحهم وخص يوم الآخرة ؛ لأن الإيمان به من أعظم البواعث على فعل الطاعات ، واجتناب المحرمات ، ومحاسبة النفس .
(src)="s2.5"> « أولئك » الموصوفون بما ذكر « على هدىّ من ربِّهم وأولئك هم المفلحون » الفائزون بالجنة الناجون من النار .
(trg)="s2.5"> أصحاب هذه الصفات يسيرون على نور من ربهم وبتوفيق مِن خالقهم وهاديهم ، وهم الفائزون الذين أدركوا ما طلبوا ، ونَجَوا من شرِّ ما منه هربوا .
(src)="s2.6"> « إن الذين كفروا » كأبي جهل وأبي لهب ونحوهما « سواء عليهم أأنذرتهم » بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه « أم لم تنذرهم لا يؤمنون » لعلم الله منهم ذلك فلا تطمع في إيمانهم ، والإنذار إعلام مع تخويف .
(trg)="s2.6"> إن الذين جحدوا ما أُنزل إليك من ربك استكبارًا وطغيانًا ، لن يقع منهم الإيمان ، سواء أخوَّفتهم وحذرتهم من عذاب الله ، أم تركت ذلك ؛ لإصرارهم على باطلهم .
(src)="s2.7"> « ختم الله على قلوبهم » طبع عليها واستوثق فلا يدخلها خير « وعلى سمعهم » أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق « وعلى أبصارهم غشاوة » غطاء فلا يبصرون الحق « ولهم عذاب عظيم » قوي دائم .
(trg)="s2.7"> طبع الله على قلوب هؤلاء وعلى سمعهم ، وجعل على أبصارهم غطاء ؛ بسبب كفرهم وعنادهم مِن بعد ما تبيَّن لهم الحق ، فلم يوفقهم للهدى ، ولهم عذاب شديد في نار جهنم .
(src)="s2.8"> ونزل في المنافقين : « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر » أي يوم القيامة لأنه آخر الأيام « وما هم بمؤمنين » روعي فيه معنى من ، وفي ضمير يقول لفظها .
(trg)="s2.8"> ومن الناس فريق يتردد متحيِّرًا بين المؤمنين والكافرين ، وهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم : صدَّقْنَا بالله وباليوم الآخر ، وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا .
(src)="s2.9"> « يخادعون الله والذين آمنوا » بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية « وما يخدعون إلا أنفسهم » لأن وبال خداعهم راجع إليهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة « وما يشعرون » يعلمون أن خداعهم لأنفسهم ، والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها تحسين ، وفي قراءة وما يخدعون .
(trg)="s2.9"> يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر ، وما يخدعون إلا أنفسهم ؛ لأن عاقبة خداعهم تعود عليهم . ومِن فرط جهلهم لا يُحِسُّون بذلك ؛ لفساد قلوبهم .
(src)="s2.10"> « في قلوبهم مرض » شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها « فزادهم الله مرضاً » بما أنزله من القرآن لكفرهم به « ولهم عذاب أليم » مؤلم « بما كانوا يُكذّبوِن » بالتشديد أي : نبي الله ، وبالتخفيف أي قولهم آمنا .
(trg)="s2.10"> في قلوبهم شكٌّ وفساد فابْتُلوا بالمعاصي الموجبة لعقوبتهم ، فزادهم الله شكًا ، ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم .
(src)="s2.11"> « وإذا قيل لهم » أي لهؤلاء « لا تفسدوا في الأرض » بالكفر والتعويق عن الإيمان . « قالوا إنما نحن مصلحون » وليس ما نحن فيه بفساد . قال الله تعالى رداً عليهم .
(trg)="s2.11"> وإذا نُصحوا ليكفُّوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والمعاصي ، وإفشاء أسرار المؤمنين ، وموالاة الكافرين ، قالوا كذبًا وجدالا إنما نحن أهل الإصلاح .
(src)="s2.12"> « ألا » للتنبيه « إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون » بذلك .
(trg)="s2.12"> إنَّ هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ، لكنهم بسبب جهلهم وعنادهم لا يُحِسُّون .
(src)="s2.13"> « وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس » أصحاب النبي « قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء » الجهال أي لا نفعل كفعلهم . قال تعالى ردا َعليهم : « ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون » ذلك .
(trg)="s2.13"> وإذا قيل للمنافقين : آمِنُوا -مثل إيمان الصحابة ، وهو الإيمان بالقلب واللسان والجوارح- ، جادَلوا وقالوا : أَنُصَدِّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي ، فنكون نحن وهم في السَّفَهِ سواء ؟ فردَّ الله عليهم بأن السَّفَهَ مقصور عليهم ، وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران .
(src)="s2.14"> « وإذا لقوا » أصله لقيوا حذفت الضمة للاستثقال ثم الياء لالتقائها ساكنة مع الواو « الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا » منهم ورجعوا « إلى شياطينهم » رؤسائهم « قالوا إنا معكم » في الدين « إِنَّما نحن مستهزئون » بهم بإظهار الإيمان .
(trg)="s2.14"> هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا : صدَّقنا بالإسلام مثلكم ، وإذا انصرفوا وذهبوا إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله أكَّدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوها ، وإنما كانوا يَسْتَخِفُّون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم .
(src)="s2.15"> « الله يستهزئ بهم » يجازيهم باستهزائهم « ويمدهم » يُمهلهم « في طغيانهم » بتجاوزهم الحد بالكفر « يعمهون » يترددون تحيراً حال .
(trg)="s2.15"> الله يستهزئ بهم ويُمهلهم ؛ ليزدادوا ضلالا وحَيْرة وترددًا ، ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين .
(src)="s2.16"> « أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى » أي استبدلوها به « فما ربحت تجارتهم » أي ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلي النار المؤبدة عليهم « وما كانوا مهتدين » فيما فعلوا .
(trg)="s2.16"> أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة ، فأخذوا الكفر ، وتركوا الإيمان ، فما كسبوا شيئًا ، بل خَسِروا الهداية . وهذا هو الخسران المبين .
(src)="s2.17"> « مثلهم » صفتهم في نفاقهم « كمثل الذي استوقد » أوقد « ناراً » في ظلمة « فلما أضاءت » أنارت « ما حوله » فأبصر واستدفأ وأمن مما يخافه « ذهب الله بنورهم » أطفأه وجُمع الضمير مراعاة لمعنى الذي « وتركهم في ظلمات لا يبصرون » ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء أمِنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب .
(trg)="s2.17"> حال المنافقين الذين آمنوا -ظاهرًا لا باطنًا- برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم كفروا ، فصاروا يتخبطون في ظلماتِ ضلالهم وهم لا يشعرون ، ولا أمل لهم في الخروج منها ، تُشْبه حالَ جماعة في ليلة مظلمة ، وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والإضاءة ، فلما سطعت النار وأنارت ما حوله ، انطفأت وأعتمت ، فصار أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا ، ولا يهتدون إلى طريق ولا مخرج .
(src)="s2.18"> هم « صمٌّ » عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول « بكم » خرس عن الخير فلا يقولونه « عميٌ » عن طريق الهدى فلا يرونه « فهم لا يرجعون » عن الضلالة .
(trg)="s2.18"> هم صُمٌّ عن سماع الحق سماع تدبر ، بُكْم عن النطق به ، عُمْي عن إبصار نور الهداية ؛ لذلك لا يستطيعون الرجوع إلى الإيمان الذي تركوه ، واستعاضوا عنه بالضلال .
(src)="s2.19"> « أو » مثلهم « كصيِّب » أي كأصحاب مطر وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل « من السماء » السحاب « فيه » أي السحاب « ظلمات » متكاثفة « ورعد » هو الملك الموكَّل به وقيل صوته « وبرق » لمعان صوته الذي يزجره به « يجعلون » أي أصحاب الصيِّب « أصابعهم » أي أناملها « في آذانهم من » أجل « الصواعق » شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها « حذر » خوف « الموت » من سماعها . كذلك هؤلاء : إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج البينة المشبهة بالبرق ، يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت « والله محيط بالكافرين » علماً وقدرة فلا يفوتونه .
(trg)="s2.19"> أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة ، ويشكون فيه تارة أخرى ، حالَ جماعة يمشون في العراء ، فينصب عليهم مطر شديد ، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض ، مع قصف الرعد ، ولمعان البرق ، والصواعق المحرقة ، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم ؛ خوفًا من الهلاك . والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه .
(src)="s2.20"> « يكاد » يقرب « البرق يخطف أبصارهم » بأخذها بسرعة « كلما أضاء لهم مشوا فيه » أي في ضوئه « وإذا أظلم عليهم قاموا » وقفوا ، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون . « ولو شاء الله لذهب بسمعهم » بمعنى أسماعهم « وأبصارهم » الظاهرة كما ذهب بالباطنة « إن الله على كل شيء » شاءه « قدير » ومنه إذهاب ما ذكر .
(trg)="s2.20"> يقارب البرق -من شدة لمعانه- أن يسلب أبصارهم ، ومع ذلك فكلَّما أضاء لهم مشَوْا في ضوئه ، وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون في أماكنهم . ولولا إمهال الله لهم لسلب سمعهم وأبصارهم ، وهو قادر على ذلك في كل وقتٍ ، إنه على كل شيء قدير .
(src)="s2.21"> « يا أيُّها الناس » أي أهل مكة « اعبدوا » وحِّدوا « ربَّكم الذي خلقكم » أنشأكم ولم تكونوا شيئاً « و » خلق « الذين من قبلكم لعلكم تتقون » بعبادته عقابَه ، ولعل : في الأصل للترجي ، وفي كلامه تعالى للتحقيق .
(trg)="s2.21"> نداء من الله للبشر جميعًا : أن اعبدوا الله الذي ربَّاكم بنعمه ، وخافوه ولا تخالفوا دينه ؛ فقد أوجدكم من العدم ، وأوجد الذين من قبلكم ؛ لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .
(src)="s2.22"> « الذي جعل » خلق « لكم الأرض فراشا » حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها « والسماء بناءً » سقفاً « وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من » أنواع « الثمرات رزقاً لكم » تأكلونه وتعلفون دوابكم « فلا تجعلوا لله أنداداً » شركاء في العبادة « وأنتم تعلمون » أنه الخالق ولا تخلقون ، ولا يكون إلهاً إلا من يخلق .
(trg)="s2.22"> ربكم الذي جعل لكم الأرض بساطًا ؛ لتسهل حياتكم عليها ، والسماء محكمة البناء ، وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقًا لكم ، فلا تجعلوا لله نظراء في العبادة ، وأنتم تعلمون تفرُّده بالخلق والرزق ، واستحقاقِه العبودية .
(src)="s2.23"> « وإن كنتم في ريب » شك « مما نزلنا على عبدنا » محمد من القرآن أنه من عند الله « فأتوا بسورة من مثله » أي المنزل ومن للبيان أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب . والسورة قطعة لها أول وآخر أقلها ثلاث آيات « وادعوا شهداءكم " آلهتكم التي تعبدونها » من دون الله » أي غيره لتعينكم « إن كنتم صادقين » في أن محمدا قاله من عند نفسه فافعلوا ذلك فإنكم عربيون فصحاء مثله ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى :
(trg)="s2.23"> وإن كنتم -أيها الكافرون المعاندون- في شَكٍّ من القرآن الذي نَزَّلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتزعمون أنه ليس من عند الله ، فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن ، واستعينوا بمن تقدرون عليه مِن أعوانكم ، إن كنتم صادقين في دعواكم .
(src)="s2.24"> « فإن لم تفعلوا » ما ذكر لعجزكم « ولن تفعلوا » ذلك أبداً لظهور إعجازه- اعتراض « فاتقوا » بالإيمان بالله وانه ليس من كلام البشر « النارَ التي وقودها الناس » الكفار « والحجارة » كأصنامهم منها ، يعني أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر ، لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه « أعدَّت » هُيئت « للكافرين » يعذَّبون بها ، جملة مستأنفة أو حال لازمة .
(trg)="s2.24"> فإن عجَزتم الآن -وستعجزون مستقبلا لا محالة- فاتقوا النار بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى . هذه النار التي حَطَبُها الناس والحجارة ، أُعِدَّتْ للكافرين بالله ورسله .
(src)="s2.25"> « وَبَشِّر » أخبر « الذين آمنوا » صَّدقوا بالله « وعملوا الصالحات » من الفروض والنوافل « أن » أي بأن « لهم جناتِ » حدائق ذات أشجار ومساكن « تجري من تحتها » أي تحت أشجارها وقصورها « الأنهار » أي المياه فيها ، والنهر الموضع الذي يجري فيه الماء لأن الماء ينهره أي يحفره وإسناد الجري إليه مجاز « كلما رزقوا منها » أطعموا من تلك الجنات . « من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي » أي مثل ما « رزقنا من قبل » أي قبله في الجنة لتشابه ثمارها بقرينة « وأُتوا به » أي جيئوا بالرزق « متشابهاً » يشبه بعضه بعضا لونا ويختلف طعما « ولهم فيها أزواج » من الحور وغيرها « مطهَّرة » من الحيض وكل قذر « وهم فيها خالدون » ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون . ونزل رداً لقول اليهود لما ضرب الله المثل بالذباب في قوله : ( وإن يسلبهم الذباب شيئاً ) والعنكبوت في قوله ( كمثل العنكبوت ) ما أراد الله بذكر هذه الأشياء ؟ الخسيسة فأنزل الله .
(trg)="s2.25"> وأخبر -أيها الرسول- أهل الإيمان والعمل الصالح خبرًا يملؤهم سرورًا ، بأن لهم في الآخرة حدائق عجيبة ، تجري الأنهار تحت قصورها العالية وأشجارها الظليلة . كلَّما رزقهم الله فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة قالوا : قد رَزَقَنا الله هذا النوع من قبل ، فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا في طعمه ولذته ، وإن تشابه مع سابقه في اللون والمنظر والاسم . ولهم في الجنَّات زوجات مطهَّرات من كل ألوان الدنس الحسيِّ كالبول والحيض ، والمعنوي كالكذب وسوء الخُلُق . وهم في الجنة ونعيمها دائمون ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها .
(src)="s2.26"> « إن الله لا يستحيي أن يضرب » يجعل « مثلا » مفعول أول « ما » نكرة موصوفة بما بعدها مفعول ثان أيَّ مثل كان أو زائدة لتأكيد الخسة فما بعدها المفعول الثاني « بعوضة » مفرد البعوض وهو صغار البق « فما فوقها » أي أكبر منها أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم « فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه » أي المثل « الحق » الثابت الواقع موقعه « من ربِّهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً » تمييز أي بهذا المثل ، وما استفهام إنكار مبتدأ ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره أي : أيّ فائدة فيه قال الله تعالى في جوابهم « يضل به » أي بهذا المثل « كثيراً » عن الحق لكفرهم به « ويهدي به كثيراً » من المؤمنين لتصديقهم به « وما يضل به إلا الفاسقين » الخارجين عن طاعته .
(trg)="s2.26"> إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما ، قلَّ أو كثر ، ولو كان تمثيلا بأصغر شيء ، كالبعوضة والذباب ونحو ذلك ، مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله . فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه ، وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون : ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة ؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار ، وتمييز المؤمن من الكافر ؛ لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه ، ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية . والله تعالى لا يظلم أحدًا ؛ لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته .
(src)="s2.27"> « الذين » نعت « ينقضون عهد الله » ما عهده إليهم في الكتب من الإيمان بمحمد * « من بعد ميثاقه » توكيده عليهم « ويقطعون ما أمر الله به أن يوُصل » من الإيمان بالنبي والرحم وغير ذلك وأن بدل من ضمير به « ويفسدون في الأرض » بالمعاصي والتعويق عن الإيمان « أولئك » الموصوفون بما ذكر « هم الخاسرون » لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم .
(trg)="s2.27"> الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة ، وقد أكَّده بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض ، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة .
(src)="s2.28"> « كيف تكفرون » يا أهل مكة « بالله و » قد « كنتم أمواتاً » نطفاً في الأصلاب « فأحياكم » في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم ، والاستفهام للتعجيب من كفرهم مع قيام البرهان أو للتوبيْخ « ثم يميتكم » عند انتهاء آجالكم « ثم يحييكم » بالبعث « ثم إليه ترجعون » تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم . وقال دليلا على البعث لما أنكروه .
(trg)="s2.28"> كيف تنكرون -أيُّها المشركون- وحدانية الله تعالى ، وتشركون به غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم ؟ فلقد كنتم أمواتًا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة ، ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم التي حددها لكم ، ثم يعيدكم أحياء يوم البعث ، ثم إليه ترجعون للحساب والجزاء .
(src)="s2.29"> « هو الذي خلق لكم ما في الأرض » أي الأرض وما فيها « جميعاً » لتنتفعوا به وتعتبروا « ثم استوى » بعد خلق الأرض أي قصد « إلى السماء فسواهن » الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه : أي صيَّرها كما في آية أخرى ( فقضاهن ) « سبع سماوات وهو بكل شيء عليم » مجملا ومفصلا أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداءً وهو أعظم منكم قادر على إعادتكم .
(trg)="s2.29"> اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها ، ثم قصد إلى خلق السموات ، فسوَّاهنَّ سبع سموات ، وهو بكل شيء عليم . فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق .
(src)="s2.30"> « و » اذكر يا محمد « إذ قال ربُّك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة » يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم « قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها » بالمعاصي « ويسفك الدماء » يريقها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانوا فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال « ونحن نسبِّح » متلبسين « بحمدك » أي نقول سبحان الله وبحمده « ونقِّدس لك » ننزهك عمالا يليق بك فاللام زائدة والجملة حال أي فنحن أحق بالاستخلاف « قال » تعالى « إني أعلم ما لا تعلمون » من المصلحة في استخلاف آدم ، وأن ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم فقالوا لن يخلق ربنا خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره فخلق الله تعالى آدم من أديم الأرض أي وجهها ، بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسوَّاهُ ونفخ فيه الروح فصار حيواناً حسَّاساً بعد أن كان جماداً .
(trg)="s2.30"> واذكر -أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة : إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها . قالت : يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في خلق هؤلاء ، مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض واراقة الدماء ظلما وعدوانًا ونحن طوع أمرك ، ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال ؟ قال الله لهم : إني أعلم ما لا تعلمون من الحكمة البالغة في خلقهم .
(src)="s2.31"> « وعلَّم آدم الأسماء » أي أسماء المسميات « كلها » بأن ألقى في قلبه علمها « ثم عرضهم » أي المسميات وفيه تغليب العقلاء « على الملائكة فقال » لهم تبكيتاً « أنبئوني » أخبروني « بأسماء هؤلاء » المسميات « إن كنتم صادقين » في أني لا أخلق أعلم منكم أو أنكم أحق بالخلافة ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله .
(trg)="s2.31"> وبيانًا لفضل آدم عليه السلام علَّمه الله أسماء الأشياء كلها ، ثم عرض مسمياتها على الملائكة قائلا لهم : أخبروني بأسماء هؤلاء الموجودات ، إن كنتم صادقين في أنكم أَوْلى بالاستخلاف في الأرض منهم .
(src)="s2.32"> « قالوا سبحانك » تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك « لا علم لنا إلا ما علمَّتنا » إياه « إنَّك أنت » تأكيد للكاف « العليم الحكيم » الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته .
(trg)="s2.32"> قالت الملائكة : ننزِّهك يا ربَّنا ، ليس لنا علم إلا ما علَّمتنا إياه . إنك أنت وحدك العليم بشئون خلقك ، الحكيم في تدبيرك .
(src)="s2.33"> « قال » تعالى « يا آدم أنبئهم » أي الملائكة « بأسمائهم » المسميات فسمى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها « فلما أنبأهم بأسمائهم قال » تعالى لهم موبخاً « ألم أقل لكم إنَّي أعلم غيب السماوات والأرض » ما غاب فيهما « وأعلم ما تبدون » ما تظهرون من قولكم أتجعل فيها الخ « وما كنتم تكتمون » تسرون من قولكم لن يخلق الله أكرم عليه منا ولا أعلم .
(trg)="s2.33"> قال الله : يا آدم أخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجَزوا عن معرفتها . فلما أخبرهم آدم بها ، قال الله للملائكة : لقد أخبرتكم أني أعلم ما خفي عنكم في السموات والأرض ، وأعلم ما تظهرونه وما تخفونه .
(src)="s2.34"> « و » اذكر « إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم » سجود تحية بالانحناء « فسجدوا إلا إبليس » هو أبو الجن كان بين الملائكة « أبى » امتنع من السجود « واستكبر » تكبَّر عنه وقال : أنا خير منه « وكان من الكافرين » في علم الله .
(trg)="s2.34"> واذكر -أيها الرسول- للناس تكريم الله لآدم حين قال سبحانه للملائكة : اسجدوا لآدم إكرامًا له وإظهارًا لفضله ، فأطاعوا جميعًا إلا إبليس امتنع عن السجود تكبرًا وحسدًا ، فصار من الجاحدين بالله ، العاصين لأمره .
(src)="s2.35"> « وقلنا يا آدم اسكن أنت » تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه « وزوجك » حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر « الجنة وكلا منها » أكلاً « رغداً » واسعا لاحجر فيه « حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة » بالأكل منها وهى الحنطة أو الكرم أو غيرهما « فتكونا » فتصيرا « من الظالمين » العاصين .
(trg)="s2.35"> وقال الله : يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة ، وتمتعا بثمارها تمتعًا هنيئًا واسعًا في أي مكان تشاءان فيها ، ولا تقربا هذه الشجرة حتى لا تقعا في المعصية ، فتصيرا من المتجاوزين أمر الله .
(src)="s2.36"> « فأزلَّهما الشيطان » إبليس أذهبهما ، وفي قراءة ـ فأزالهما ـ نحَّاهما « عنها » أي الجنة بأن قال لهما : هل أدلُّكما على شجرة الخلد وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين فأكلا منها « فأخرجهما مما كانا فيه » من النعيم « وقلنا اهبطوا » إلى الأرض أي أنتما بما اشتملتما عليه من ذريتكما « بعضكم » بعض الذرية « لبعض عدوُّ » من ظلم بعضكم بعضاً « ولكم في الأرض مستقرُّ » موضع قرار « ومتاع » ما تتمتعون به من نباتها « إلى حين » وقت انقضاء آجالكم .
(trg)="s2.36"> فأوقعهما الشيطان في الخطيئة : بأنْ وسوس لهما حتى أكلا من الشجرة ، فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها . وقال الله لهم : اهبطوا إلى الأرض ، يعادي بعضكم بعضًا -أي آدم وحواء والشيطان- ولكم في الأرض استقرار وإقامة ، وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء آجالكم .
(src)="s2.37"> « فتلقى آدمُ من ربِّه كلماتٍ » ألهمه إياها وفي قراءة بنصب آدم ورفع كلمات ، أي جاءه وهى ( ربَّنا ظلمنا أنفسا ) الآية فدعا بها « فتاب عليه » قبل توبته « إنه هو التواب » على عباده « الرحيم » بهم .
(trg)="s2.37"> فتلقى آدمُ بالقبول كلماتٍ ، ألهمه الله إياها توبة واستغفارًا ، وهي قوله تعالى : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( 7 : 23 ) } فتاب الله عليه ، وغفر له ذنبه إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده ، الرحيم بهم .
(src)="s2.38"> « قلنا اهبطوا منها » من الجنة « جميعاً » كرره ليعطف عليه « فإما » فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة « يأتينكم مني هدىً » كتاب ورسول « فمن تبع هداي » فآمن بي وعمل بطاعتي « فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون » في الآخرة بأن يدخلوا الجنة .
(trg)="s2.38"> قال الله لهم : اهبطوا من الجنة جميعًا ، وسيأتيكم أنتم وذرياتكم المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق . فمن عمل بها فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا .
(src)="s2.39"> « والذين كفروا وكذبوا بآياتنا » كتبنا « أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون .
(trg)="s2.39"> والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا المتلوة ودلائل توحيدنا ، أولئك الذين يلازمون النار ، هم فيها خالدون ، لا يخرجون منها .
(src)="s2.40"> « يا بنى إسرائيل » أولاد يعقوب « اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون وفلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك بأن تشكروها بطاعتي « وأوفوا بعهدي » الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد « أوف بعهدكم » الذي عهدت إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة « وإياي فارهبون » خافونِ في ترك الوفاء به دون غيري .
(trg)="s2.40"> يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم ، واشكروا لي ، وأتموا وصيتي لكم : بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًا ، وتعملوا بشرائعي . فإن فعلتم ذلك أُتمم لكم ما وعدتكم به من الرحمة في الدنيا ، والنجاة في الآخرة . وإيَّايَ -وحدي- فخافوني ، واحذروا نقمتي إن نقضتم العهد ، وكفرتم بي .
(src)="s2.41"> « وآمنوا بما أنزلت » من القرآن « مصدِّقاً لما معكم » من التوراة بموافقته له في التوحيد والنبوة « ولا تكونوا أوَّل كافر به » من أهل الكتاب لأنَّ خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم « ولا تشتروا » تستبدلوا « بآياتي » التي في كتابكم من نعت محمد « ثمناً قليلا » عوضاً يسيرا من الدنيا أي لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم « وإياي فاتقون » خافون في ذلك دون غيري .
(trg)="s2.41"> وآمنوا- يا بني إسرائيل- بالقرآن الذي أنزَلْتُه على محمد نبي الله ورسوله ، موافقًا لما تعلمونه من صحيح التوراة ، ولا تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر به ، ولا تستبدلوا بآياتي ثمنًا قليلا من حطام الدنيا الزائل ، وإياي وحدي فاعملوا بطاعتي واتركوا معصيتي .
(src)="s2.42"> « ولا تلبسوا » تخلطوا « الحق » الذي أنزلت عليكم « بالباطل » الذي تفترونه « و » لا « تكتموا الحق » نعت محمد « وأنتم تعلمون » أنه حق .
(trg)="s2.42"> ولا تخلِطوا الحق الذي بيَّنته لكم بالباطل الذي افتريتموه ، واحذروا كتمان الحق الصريح من صفة نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم التي في كتبكم ، وأنتم تجدونها مكتوبة عندكم ، فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم .
(src)="s2.43"> « وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين » صلوا مع المصلين محمد وأصحابه ، ونزل في علمائهم وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين اثبتوا على دين محمد فإنه الحق .
(trg)="s2.43"> وادخلوا في دين الإسلام : بأن تقيموا الصلاة على الوجه الصحيح ، كما جاء بها نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وتؤدوا الزكاة المفروضة على الوجه المشروع ، وتكونوا مع الراكعين من أمته صلى الله عليه وسلم .
(src)="s2.44"> « أتأمرون الناس بالبر » بالإيمان بمحمد « وتنسون أنفسكم » تتركونها فلا تأمرونها به « وأنتم تتلون الكتاب » التوراة وفيها الوعيد على مخالفة القول العمل « أفلا تعقلون » سوء فعلكم فترجعون ، فجملة النسيان محل الاستفهام الإنكاري .
(trg)="s2.44"> ما أقبح حالَكم وحالَ علمائكم حين تأمرون الناس بعمل الخيرات ، وتتركون أنفسكم ، فلا تأمرونها بالخير العظيم ، وهو الإسلام ، وأنتم تقرءون التوراة ، التي فيها صفات محمد صلى الله عليه وسلم ، ووجوب الإيمان به ! ! أفلا تستعملون عقولكم استعمالا صحيحًا ؟
(src)="s2.45"> « واستعينوا » اطلبوا المعونة على أموركم « بالصبر » الحبس للنفس على ما تكره « والصلاة » أفردها بالذكر تعظيما لشأنها وفي الحديث ( كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة ) وقيل الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسة فأمروا بالصبر وهو الصوم لأنه يكسر الشهوة والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر « وإنها » أي الصلاة « لكبيرة » ثقيلة « إلا على الخاشعين » الساكنين إلى الطاعة .
(trg)="s2.45"> واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه ، وكذلك الصلاة . وإنها لشاقة إلا على الخاشعين .
(src)="s2.46"> « الَّذين يظنون » يوقنون « أنهم ملاقو ربِّهم » بالبعث « وأنهم إليه راجعون » في الآخرة فيجازيهم .
(trg)="s2.46"> الذين يخشون الله ويرجون ما عنده ، ويوقنون أنهم ملاقو ربِّهم جلَّ وعلا بعد الموت ، وأنهم إليه راجعون يوم القيامة للحساب والجزاء .
(src)="s2.47"> « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم » بالشكر عليها بطاعتي « وأني فضَّلتكم » أي آباءكم « على العالمين » عالمي زمانهم .
(trg)="s2.47"> يا ذرية يعقوب تذكَّروا نعمي الكثيرة عليكم ، واشكروا لي عليها ، وتذكروا أني فَضَّلْتكم على عالَمي زمانكم بكثرة الأنبياء ، والكتب المنزَّلة كالتوراة والإنجيل .
(src)="s2.48"> « واتقوا » خافوا « يوما لا تجزي » فيه « نفس عن نفسٍ شيئاً » وهو يوم القيامة « ولا تُقبل » بالتاء والياء « منها شفاعة » أي ليس لها شفاعة فتقبل ( فما لنا من شافعين ) « ولا يؤخذ منها عدل » فداء « ولا هم ينصرون » يمنعون من عذاب الله .
(trg)="s2.48"> وخافوا يوم القيامة ، يوم لا يغني أحد عن أحد شيئًا ، ولا يقبل الله شفاعة في الكافرين ، ولا يقبل منهم فدية ، ولو كانت أموال الأرض جميعًا ، ولا يملك أحد في هذا اليوم أن يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم من العذاب .
(src)="s2.49"> « و » اذكروا « إذ نجيناكم » أي آباءكم ، والخطاب به وبما بعده للموجودين في زمن نبينا بما أنعم الله على آبائهم تذكيراً لهم بنعمة الله تعالى ليؤمنوا « من آل فرعون يسومونكم » يذيقونكم « سوء العذاب » أشده والجملة حال من ضمير نجيناكم « يُذبّحون » بيان لما قبله « أبناءكم » المولودين « ويستحيون » يستبقون « نساءكم » لقول بعض الكهنة له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبباً لذهاب ملكك « وفي ذلكم » العذاب أو الإنجاء « بلاء » ابتلاء أو إنعام « من ربكم عظيمْ » .
(trg)="s2.49"> واذكروا نعمتنا عليكم حين أنقذناكم من بطش فرعون وأتباعه ، وهم يُذيقونكم أشدَّ العذاب ، فيُكثِرون مِن ذَبْح أبنائكم ، وترك بناتكم للخدمة والامتهان . وفي ذلك اختبار لكم من ربكم ، وفي إنجائكم منه نعمة عظيمة ، تستوجب شكر الله تعالى في كل عصوركم وأجيالكم .
(src)="s2.50"> « و » اذكروا « إذا فرقنا » فلقنا « بكم » بسببكم « البحر » حتى دخلتموه هاربين من عدوكم « فأنجيناكم » من الغرق « وأغرقنا آل فرعون » قومه معه « وأنتم تنظرون » إلى انطباق البحر عليهم
(trg)="s2.50"> واذكروا نعمتنا عليكم ، حين فَصَلْنا بسببكم البحر ، وجعلنا فيه طرقًا يابسةً ، فعبرتم ، وأنقذناكم من فرعون وجنوده ، ومن الهلاك في الماء . فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم في الماء أمام أعينكم .
(src)="s2.51"> « وإذا واعدنا » بألف ودونها « موسى أربعين ليلة » نعطيه عند انقضائها التوراة لتعلموا بها « ثم اتخذتم العجل » الذي صاغه لكم السامري إلهاً « من بعده » أي بعد ذهابه إلى ميعادنا « وأنتم ظالمون » باتخاذه لوضعكم العبادة في غير محلها .
(trg)="s2.51"> واذكروا نعمتنا عليكم : حين واعدنا موسى أربعين ليلة لإنزال التوراة هدايةً ونورًا لكم ، فإذا بكم تنتهزون فرصة غيابه هذه المدة القليلة ، وتجعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبودًا لكم من دون الله - وهذا أشنع الكفر بالله- وأنتم ظالمون باتخاذكم العجل إلهًا .
(src)="s2.52"> « ثم عفونا عنكم » محونا ذنوبكم « من بعد ذلك » الاتخاذ « لعلّكم تشكرون » نعمتنا عليكم
(trg)="s2.52"> ثمَّ تجاوزنا عن هذه الفعلة المنكرة ، وقَبِلْنَا توبتكم بعد عودة موسى ؛ رجاءَ أن تشكروا الله على نعمه وأفضاله ، ولا تتمادوا في الكفر والطغيان .
(src)="s2.53"> « وإذ آتينا موسى الكتاب » التوراة « والفرقان » عطف تفسير ، أي الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام « لعلكم تهتدون » به من الضلال .
(trg)="s2.53"> واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحق والباطل -وهو التوراة- ؛ لكي تهتدوا من الضلالة .
(src)="s2.54"> « وإذ قال موسى لقومه » الذين عبدوا العجل « يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل » إلهاً « فتوبوا إلى بارئكم » خالقكم من عبادته « فاقتلوا أنفسكم » أي ليقتل البريءُ منكم المجرم « ذلكم » القتل « خير لكم عند بارئكم » فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا « فتاب عليكم » قبل توبتكم « أنه هو التواب الرحيم » .
(trg)="s2.54"> واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه : إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا ، فتوبوا إلى خالقكم : بأن يَقْتل بعضكم بعضًا ، وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود الأبدي في النار ، فامتثلتم ذلك ، فمنَّ الله عليكم بقَبول توبتكم . إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده ، الرحيم بهم .
(src)="s2.55"> « وإذ قلتم » وقد خرجتم مع موسى لتعتذروا إلى الله من عبادة العجل وسمعتم كلامه « يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة » عيانا « فأخذتكم الصاعقة » الصيحة فمتم « وأنتم تنظرون » ما حل بكم .
(trg)="s2.55"> واذكروا إذ قلتم : يا موسى لن نصدقك في أن الكلام الذي نسمعه منك هو كلام الله ، حتى نرى الله عِيَانًا ، فنزلت نار من السماء رأيتموها بأعينكم ، فقَتَلَتْكم بسبب ذنوبكم ، وجُرْأتكم على الله تعالى .
(src)="s2.56"> « ثم بعثناكم » أحييناكم « من بعد موتكم لعلكم تشكرون » نعمتنا بذلك .
(trg)="s2.56"> ثم أحييناكم مِن بعد موتكم بالصاعقة ؛ لتشكروا نعمة الله عليكم ، فهذا الموت عقوبة لهم ، ثم بعثهم الله لاستيفاء آجالهم .
(src)="s2.57"> « وظلَّلنا عليكم الغمام » سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه « وأنزلنا عليكم » فيه « المن والسلوى » هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر ، وقلنا : « كلوا من طيبات ما رزقناكم » ولا تدَّخروا ، فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم « وما ظلمونا » بذلك « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » لأن وباله عليهم .
(trg)="s2.57"> واذكروا نعمتنا عليكم حين كنتم تتيهون في الأرض ؛ إذ جعلنا السحاب مظللا عليكم من حَرِّ الشمس ، وأنزلنا عليكم المنَّ ، وهو شيء يشبه الصَّمغ طعمه كالعسل ، وأنزلنا عليكم السَّلوى وهو طير يشبه السُّمانَى ، وقلنا لكم : كلوا من طيِّبات ما رزقناكم ، ولا تخالفوا دينكم ، فلم تمتثلوا . وما ظلمونا بكفران النعم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ؛ لأن عاقبة الظلم عائدة عليهم .
(src)="s2.58"> « وإذ قلنا » لهم بعد خروجهم من التيه « ادخلوا هذه القرية » بيت المقدس أو أريحا « فكلوا منها حيث شئتم رغدا » واسعا لاَ حَجْرَ فيه « وادخلوا الباب » أي بابها « سجداً » منحنين « وقولوا » مسألتنا « حطة » أي أن تحط عنا خطايانا « نغفر » وفي قراءة بالياء والتاء مبنياً للمفعول فيهما « لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين » بالطاعة ثواباً .
(trg)="s2.58"> واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا : ادخلوا مدينة " بيت المقدس " فكلوا من طيباتها في أي مكان منها أكلا هنيئًا ، وكونوا في دخولكم خاضعين لله ، ذليلين له ، وقولوا : ربَّنا ضَعْ عنَّا ذنوبنا ، نستجب لكم ونعف ونسترها عليكم ، وسنزيد المحسنين بأعمالهم خيرًا وثوابًا .
(src)="s2.59"> « فبدل الذين ظلموا » منهم « قولا غير الذي قيل لهم » فقالوا : حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم « فأنزلنا على الذين ظلموا » فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح شأنهم « رجزاً » عذاباً طاعوناً « من السماء بما كانوا يفسقون » بسب فسقهم أي خروجهم عن الطاعة فهلك منهم في ساعة سبعون ألفاً أو أقل .
(trg)="s2.59"> فبدَّل الجائرون الضالون من بني إسرائيل قول الله ، وحرَّفوا القول والفعل جميعًا ، إذ دخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا : حبة في شعرة ، واستهزءوا بدين الله . فأنزل الله عليهم عذابًا من السماء ؛ بسبب تمردهم وخروجهم عن طاعة الله .
(src)="s2.60"> « و » اذكر « إذ استسقى موسى » أي طلب السقيا « لقومه » وقد عطشوا في التيه « فقلنا اضرب بعصاك الحجر » وهو الذي فر بثوبه خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان فضربه « فانفجرت » انشقت وسالت « منه اثنتا عشرة عيناً » بعدد الأسباط « قد علم كل أناس » سبط منهم « مشربهم » موضع شربهم فلا يشركهم فيه غيرهم وقلنا لهم « كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين » حال مؤكدة لعاملها من عثى بكسر المثلثة أفسد .
(trg)="s2.60"> واذكروا نعمتنا عليكم -وأنتم عطاش في التِّيْه- حين دعانا موسى -بضراعة- أن نسقي قومه ، فقلنا : اضرب بعصاك الحجر ، فضرب ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا ، بعدد القبائل ، مع إعلام كل قبيلة بالعين الخاصة بها حتى لا يتنازعوا . وقلنا لهم : كلوا واشربوا من رزق الله ، ولا تسعوا في الأرض مفسدين .
(src)="s2.61"> « وإذا قلتم يا موسى لن نصبر على طعام » أي نوع منه « واحد » وهو المن والسلوى « فادع لنا ربَّك يُخرج لنا » شيئاً « مما تنبت الأرض من » للبيان « بقلها وقثائها وفومها » حنطتها « وعدسها وبصلها قال » لهم موسى « أتستبدلون الذي هو أدنى » أخس « بالذي هو خير » أشرف أي أتأخذونه بدله ، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى فقال تعالى « اهبطوا » انزلوا « مصراً » من الأمصار « فإن لكم » فيه « ما سألتم » من النبات « وضُربت » جعلت « عليهم الذلة » الذل والهوان « والمسكنة » أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم ، وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته « وباءُوا » رجعوا « بغضب من الله ذلك » أي الضرب والغضب « بأنهم » أي بسبب أنهم « كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين » كزكريا ويحيى « بغير الحق » أي ظلماً « ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون » يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد .
(trg)="s2.61"> واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو ، والطير الشهي ، فبطِرتم النعمة كعادتكم ، وأصابكم الضيق والملل ، فقلتم : يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام ، فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر ، والقثاء والحبوب التي تؤكل ، والعدس ، والبصل . قال موسى -مستنكرًا عليهم- : أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا ، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم ؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة ، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق . ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم -في كل موطن- على اختيار الله ، ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم ؛ لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس ، وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله ؛ لإعراضهم عن دين الله ، ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا ؛ وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم .
(src)="s2.62"> « إن الذين آمنوا » بالأنبياء من قبل « والذين هادوا » هم اليهود « والنصارى والصابئين » طائفة من اليهود أو النصارى « من آمن » منهم « بالله واليوم الآخر » في زمن نبينا « وعمل صالحاً » بشريعته « فلهم أجرهم » أي ثواب أعمالهم « عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون » رُوعي في ضمير آمن وعمل لفظ من وفيما بعده معناها .
(trg)="s2.62"> إن المؤمنين من هذه الأمة ، الذين صدَّقوا بالله ورسله ، وعملوا بشرعه ، والذين كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من الأمم السالفة من اليهود ، والنصارى ، والصابئين- وهم قوم باقون على فطرتهم ، ولا دين مقرر لهم يتبعونه- هؤلاء جميعًا إذا صدَّقوا بالله تصديقًا صحيحًا خالصًا ، وبيوم البعث والجزاء ، وعملوا عملا مرضيًا عند الله ، فثوابهم ثابت لهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا . وأما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمًا للنبيين والمرسلين إلى الناس كافة ، فلا يقبل الله من أحد دينًا غير ما جاء به ، وهو الإسلام .
(src)="s2.63"> « و » اذكر « إذ أخذنا ميثاقكم » عهدكم بالعمل بما في التوراة « و » قد « رفعنا فوقكم الطور » الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا « خذوا ما آتيناكم بقوة » بجد واجتهاد « واذكروا ما فيه » بالعمل به « لعلكم تتقون » النار أو المعاصي .
(trg)="s2.63"> واذكروا -يا بني إسرائيل- حين أَخَذْنا العهد المؤكَّد منكم بالإيمان بالله وإفراده بالعبادة ، ورفعنا جبل الطور فوقكم ، وقلنا لكم : خذوا الكتاب الذي أعطيناكم بجدٍ واجتهاد واحفظوه ، وإلا أطبقنا عليكم الجبل ، ولا تنسوا التوراة قولا وعملا كي تتقوني وتخافوا عقابي .
(src)="s2.64"> « ثم توليتم » أعرضتم « من بعد ذلك » الميثاق عن الطاعة « فلولا فضل الله عليكم ورحمته » لكم بالتوبة أو تأخير العذاب « لكنتم من الخاسرين » الهالكين .
(trg)="s2.64"> ثم خالفتم وعصيتم مرة أخرى ، بعد أَخْذِ الميثاق ورَفْع الجبل كشأنكم دائمًا . فلولا فَضْلُ الله عليكم ورحمته بالتوبة ، والتجاوز عن خطاياكم ، لصرتم من الخاسرين في الدنيا والآخرة .
(src)="s2.65"> « ولقد » لام قسم « علمتم » عرفتم « الذين اعتدوا » تجاوزوا الحد « منكم في السبت » بصيد السمك وقد نهيناهم عنه وهم أهل آيلة « فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين » مبعدين فكانوا وهلكوا بعد ثلاثة أيام .
(trg)="s2.65"> ولقد علمتم -يا معشر اليهود- ما حلَّ من البأس بأسلافكم من أهل القرية التي عصت الله ، فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت ، فاحتالوا لاصطياد السمك في يوم السبت ، بوضع الشِّباك وحفر البِرَك ، ثم اصطادوا السمك يوم الأحد حيلة إلى المحرم ، فلما فعلوا ذلك ، مسخهم الله قردة منبوذين .
(src)="s2.66"> « فجعلناها » أي تلك العقوبة « نكالاً » عبرة مانعة من ارتكاب مثل ما عملوا « لما بين يديها وما خلفها » أي للأمم التي في زمانها وبعدها « وموعظة للمتقين » الله وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بخلاف غيرهم .
(trg)="s2.66"> فجعلنا هذه القرية عبرة لمن بحضرتها من القرى ، يبلغهم خبرها وما حلَّ بها ، وعبرة لمن يعمل بعدها مثل تلك الذُّنوب ، وجعلناها تذكرة للصالحين ؛ ليعلموا أنهم على الحق ، فيثبتوا عليه .
(src)="s2.67"> « و » اذكر « إذ قال موسى لقومه » وقد قُتل لهم قتيل لا يُدرى قاتله وسألوه أن يدعو الله أن يبينه لهم فدعاه « إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً » مهزوءاً بنا حيث تجيبنا بمثل ذلك « قال أعوذ » أمتنع « بالله أن أكون من الجاهلين » المستهزئين .
(trg)="s2.67"> واذكروا يا بني إسرائيل جناية أسلافكم ، وكثرة تعنتهم وجدالهم لموسى عليه الصلاة والسلام ، حين قال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فقالوا -مستكبرين- : أتجعلنا موضعًا للسخرية والاستخفاف ؟ فردَّ عليهم موسى بقوله : أستجير بالله أن أكون من المستهزئين .
(src)="s2.68"> فلما علموا أنه عزم « قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي » أي ما سنها « قال » موسى « إنه » أي الله « يقول إنها بقرة لا فارضٌ » مسنة « ولا بكرٌ » صغيرة « عوانٌ » نصف « بين ذلك » المذكور من السنين « فافعلوا ما تؤمرون » به من ذبحها .
(trg)="s2.68"> قالوا : ادع لنا ربَّك يوضح لنا صفة هذه البقرة ، فأجابهم : إن الله يقول لكم : صفتها ألا تكون مسنَّة هَرِمة ، ولا صغيرة فَتِيَّة ، وإنما هي متوسطة بينهما ، فسارِعوا إلى امتثال أمر ربكم .
(src)="s2.69"> « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها » شديد الصفرة ، « تسر الناظرين » إليها بحسنها أي تعجبهم .
(trg)="s2.69"> فعادوا إلى جدالهم قائلين : ادع لنا ربك يوضح لنا لونها . قال : إنه يقول : إنها بقرة صفراء شديدة الصُّفْرة ، تَسُرُّ مَن ينظر إليها .
(src)="s2.70"> « قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي » أسائمة أم عاملة « إن البقر » أي جنسه المنعوت بما ذكر « تشابه علينا » لكثرته فلم نهتد إلى المقصودة « وإنا إن شاء الله لمهتدون » إليها وفي الحديث ( لو لم يستثنوا لما بينت لهم لآخر الأبد ) .
(trg)="s2.70"> قال بنو إسرائيل لموسى : ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غير ما سبق ؛ لأن البقر -بهذه الصفات- كثير فاشْتَبَهَ علينا ماذا نختار ؟ وإننا -إن شاء الله- لمهتدون إلى البقرة المأمور بذبحها .
(src)="s2.71"> « قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول » غير مذللة بالعمل « تثير الأرض » تقلبها للزراعة والجملة صفة ذلول داخلة في النهي « ولا تسقي الحرث » الأرض المهيأة للزراعة « مسلمة » من العيوب وآثار العمل « لا شية » لون « فيها » غير لونها « قالوا الآن جئت بالحق » نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مسكها ذهبا « فذبحوها وما كادوا يفعلون » لغلاء ثمنها وفي الحديث : ( لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ) .
(trg)="s2.71"> قال لهم موسى : إن الله يقول : إنها بقرة غير مذللة للعمل في حراثة الأرض للزراعة ، وغير معدة للسقي من الساقية ، وخالية من العيوب جميعها ، وليس فيها علامة من لون غير لون جلدها . قالوا : الآن جئت بحقيقة وصف البقرة ، فاضطروا إلى ذبحها بعد طول المراوغة ، وقد قاربوا ألا يفعلوا ذلك لعنادهم . وهكذا شددوا فشدَّد الله عليهم .
(src)="s2.72"> « وإذا قتلتم نفساً فأدّارأتم » فيه إدغام التاء في الأصل في الدال أي تخاصمتم وتدافعتم « فيها والله مخرج » مظهر « ما كنتم تكتمون » من أمرها وهذا اعتراض وهو أول القصة .
(trg)="s2.72"> واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنها ، كلٌّ يدفع عن نفسه تهمة القتل ، والله مخرج ما كنتم تخفون مِن قَتْل القتيل .
(src)="s2.73"> « فقلنا اضربوه » أي القتيل « ببعضها » فضرب بلسانها أو عَجْب ذنبها فحييَ وقال : قتلني فلان وفلان لاِبْنيْ عمه ومات فحرما الميراث وقتلا ، قال تعالى : « كذلك » الإحياء « يحيي الله الموتى ويريكم آياته » دلائل قدرته « لعلكم تعقلون » تتدبرون فتعلمون أن القادر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون .
(trg)="s2.73"> فقلنا : اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة المذبوحة ، فإن الله سيبعثه حيًا ، ويخبركم عن قاتله . فضربوه ببعضها فأحياه الله وأخبر بقاتله . كذلك يُحيي الله الموتى يوم القيامة ، ويريكم- يا بني إسرائيل- معجزاته الدالة على كمال قدرته تعالى ؛ لكي تتفكروا بعقولكم ، فتمتنعوا عن معاصيه .
(src)="s2.74"> « ثم قست قلوبكم » أيها اليهود صلبت عن قبول الحق « من بعد ذلك » المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات « فهي كالحجارة » في القسوة « أو أشد قسوة » منها « وإن من الحجارة لما يتفجَّر منه الأنهار وإن منها لما يشقق » فيه إدغام التاء في الأصل في الشين « فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط » ينزل من علو إلى أسفل « من خشية الله » وقلوبكم لا تتأثر ولا تلين ولا تخشع « وما الله بغافل عما تعلمون » وإنما يؤخركم لوقتكم وفي قراءة بالتحتانية وفيه التفات عن الخطاب .
(trg)="s2.74"> ولكنكم لم تنتفعوا بذلك ؛ إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت قلوبكم وغلظت ، فلم يَنْفُذ إليها خير ، ولم تَلِنْ أمام الآيات الباهرة التي أريتكموها ، حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الصمَّاء ، بل هي أشد منها غلظة ؛ لأن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبًا ، فتصير أنهارًا جاريةً ، ومن الحجارة ما يتصدع فينشق ، فتخرج منه العيون والينابيع ، ومن الحجارة ما يسقط من أعالي الجبال مِن خشية الله تعالى وتعظيمه . وما الله بغافل عما تعملون .
(src)="s2.75"> « أفتطعمون » أيها المؤمنون « أن يؤمنوا لكم » أي اليهود لكم . « وقد كان فريق » طائفة « منهم » أحبارهم « يسمعون كلام الله » في التوراة « ثم يحرّفونه » يغيرونه « من بعد ما عقلوه » فهموه « وهم يعلمون » أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي لا تطمعوا فلهم سابقة بالكفر .
(trg)="s2.75"> أيها المسلمون أنسيتم أفعال بني إسرائيل ، فطمعت نفوسكم أن يصدِّق اليهودُ بدينكم ؟ وقد كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة ، ثم يحرفونه بِصَرْفِه إلى غير معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته ، أو بتحريف ألفاظه ، وهم يعلمون أنهم يحرفون كلام رب العالمين عمدًا وكذبًا .
(src)="s2.76"> « وإذا لقوا » أي منافقوا اليهود « الذين آمنوا قالوا آمنا » بأن محمداً نبي وهو المبشر به في كتابنا « وإذا خلا » رجع « بعضهم إلى بعض قالوا » أي رؤساؤهم الذين لم ينافقوا لمن نافق « أتحدثونهم » أي المؤمنين « بما فتح الله عليكم » أي عرَّفكم في التوراة من نعت محمد * « ليحاجوكم » ليخاصموكم واللامُ للصيرورة « به عند ربكم » في الآخرة ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتِّباعه مع علمكم بصدقه « أفلا تعقلون » أنهم يحاجونكم إذا حدثتموهم فتنتهوا .
(trg)="s2.76"> هؤلاء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانهم : آمنَّا بدينكم ورسولكم المبشَّر به في التوراة ، وإذا خلا بعض هؤلاء المنافقين من اليهود إلى بعض قالوا في إنكار : أتحدِّثون المؤمنين بما بيَّن الله لكم في التوراة من أمر محمد ؛ لتكون لهم الحجة عليكم عند ربكم يوم القيامة ؟ أفلا تفقهون فتحذروا ؟
(src)="s2.77"> قال تعالى « أو لا يعلمون » الاستفهام للتقرير والواو الداخلة عليها للعطف « أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون » ما يخفون وما يظهرون من ذلك وغيره فيرعَوُوا عن ذلك .
(trg)="s2.77"> أيفعلون كلَّ هذه الجرائم ، ولا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يخفونه وما يظهرونه ؟
(src)="s2.78"> « ومنهم » أي اليهود « أميون » عوام « لا يعلمون الكتاب » التوراة « إلا » لكن « أمانيَّ » أكاذيب تلقَّوْها من رؤسائهم فاعتمدوها « وإن » ما « هم » في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه « إلا يظنون » ظناً ولا علم لهم .
(trg)="s2.78"> ومن اليهود جماعة يجهلون القراءة والكتابة ، ولا يعلمون التوراة وما فيها من صفات نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وما عندهم من ذلك إلا أكاذيبُ وظنون فاسدة .
(src)="s2.79"> « فويل » شدة عذاب « للذين يكتبون الكتاب بأيديهم » أي مختلقاً من عندهم « ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا » من الدنيا وهم اليهود غيَّروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم وغيرها وكتبوها على خلاف ما أنزل « فويل لهم مما كتبت أيديهم » من المختلق « وويل لهم مما يكسبون » من الرشا جمع رشوة .
(trg)="s2.79"> فهلاك ووعيد شديد لأحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله على نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام ؛ ليأخذوا في مقابل هذا عرض الدنيا . فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل بأيديهم ، ولهم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال الحرام ، كالرشوة وغيرها .
(src)="s2.80"> « وقالوا » لما وعدهم النبيُّ النار « لن تمسَّنا » تصيبنا « النار إلا أياماً معدودة » قليلة أربعين يوماً مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول « قل » لهم يا محمد « أتخذتم » حذفت منه همزة الوصل استغناءً بهمزة الاستفهام « عند الله عهداً » ميثاقاً منه بذلك « فلن يُخلف الله عهده » به ؟ لا « أم » بل « تقولون على الله ما لا تعلمون » .
(trg)="s2.80"> وقال بنو إسرائيل : لن تصيبنا النار في الآخرة إلا أيامًا قليلة العدد . قل لهم -أيها الرسول مبطلا دعواهم- : أعندكم عهد من الله بهذا ، فإن الله لا يخلف عهده ؟ بل إنكم تقولون على الله ما لا تعلمون بافترائكم الكذب .
(src)="s2.81"> « بلى » تمسكم وتخلدون فيها « من كسب سيئة » شركاً « وأحاطت به خطيئته » بالإفراد والجمع أي استولت عليه وأحدقت به من كل جانب بأن مات مشركاً « فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » روعي فيه معنى من .
(trg)="s2.81"> فحُكْمُ الله ثابت : أن من ارتكب الآثام حتى جَرَّته إلى الكفر ، واستولت عليه ذنوبه مِن جميع جوانبه وهذا لا يكون إلا فيمن أشرك بالله ، فالمشركون والكفار هم الذين يلازمون نار جهنم ملازمة دائمةً لا تنقطع .
(src)="s2.82"> « والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون » .
(trg)="s2.82"> وحكم الله الثابتُ في مقابل هذا : أنَّ الذين صدَّقوا بالله ورسله تصديقًا خالصًا ، وعملوا الأعمال المتفقة مع شريعة الله التي أوحاها إلى رسله ، هؤلاء يلازمون الجنة في الآخرة ملازمةً دائمةً لا تنقطع .
(src)="s2.83"> « و » اذكر « إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل » في التوراة وقلنا « لا تعبدون » بالتاء والياء « إلا الله » خبر بمعنى النهي ، وقرئ : لا تعبدوا « و » أحسنوا « بالوالدين إحساناً » براً « وذي القربى » القرابة عطف على الوالدين « واليتامى والمساكين وقولوا للناس » قولا « حسناً » من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد والرفق بهم ، وفي قراءة بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة « وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة » فقبلتم ذلك « ثم تولَّيتم » أعرضتم عن الوفاء به ، فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم « إلا قليلا منكم وأنتم معرضون » عنه كآبائكم .
(trg)="s2.83"> واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا : بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له ، وأن تحسنوا للوالدين ، وللأقربين ، وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم ، وللمساكين ، وأن تقولوا للناس أطيب الكلام ، مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة ، ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم .
(src)="s2.84"> « وإذ أخذنا ميثاقكم » وقلنا « لا تسفكون دماءكم » تريقونها بقتل بعضكم بعضاً « ولا تخرجون أنفسكم من دياركم » لا يخرج بعضكم بعضا من داره « ثم أقررتم » قبلتم ذلك الميثاق « وأنتم تشهدون » على أنفسكم .
(trg)="s2.84"> واذكروا -يا بني إسرائيل- حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا في التوراة : يحرم سفك بعضكم دم بعض ، وإخراج بعضكم بعضًا من دياركم ، ثم اعترفتم بذلك ، وأنتم تشهدون على صحته .
(src)="s2.85"> « ثم أنتم » يا « هؤلاء تقتلون أنفسكم » بقتل بعضكم بعضا « وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تَظَّاهَرُونَ » فيه إدغام التاء في الأصل في الظاء ، وفي قراءة بالتخفيف على حذفها تتعاونون « عليهم بالإثم » بالمعصية « والعدوان » الظلم « وإن يأتوكم أسارى » وفي قراءة أسرى « تَفْدُوهُمْ » وفي قراءة « تُفَادُوهُمْ » تنقذوهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم « وهو » أي الشأن « محرَّم عليكم إخراجهم » متصل بقوله وتخرجون والجملة بينهما اعتراض : أي كما حرم ترك الفداء ، وكانت قريظةُ حالفوا الأوسَ ، والنضيرُ الخزرجَ فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم ، وكانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا أمرنا بالفداء فيقال فَلِمَ تقاتلونهم ؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا . قال تعالى : « أفتؤمنون ببعض الكتاب » وهو الفداء « وتكفرون ببعض » وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة « فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ » هوان وذلّ « في الحياة الدنيا » وقد خزوا بقتل قريظة ونفي النضير إلى الشام وضرب الجزية « ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافلِ عما يعملون » بالياء والتاء .
(trg)="s2.85"> ثم أنتم يا هؤلاء يقتل بعضكم بعضًا ، ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم ، ويَتَقَوَّى كل فريق منكم على إخوانه بالأعداء بغيًا وعدوانًا . وأن يأتوكم أسارى في يد الأعداء سعيتم في تحريرهم من الأسر ، بدفع الفدية ، مع أنه محرم عليكم إخراجهم من ديارهم . ما أقبح ما تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها ! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إلا ذُلا وفضيحة في الدنيا . ويوم القيامة يردُّهم الله إلى أفظع العذاب في النار . وما الله بغافل عما تعملون .
(src)="s2.86"> « أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة » بأن آثروها عليها « فلا يخفَّف عنهم العذاب ولا هم يُنصرون » يمنعون منه .
(trg)="s2.86"> أولئك هم الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة ، فلا يخفف عنهم العذاب ، وليس لهم ناصر ينصرهم مِن عذاب الله .
(src)="s2.87"> « ولقد آتينا موسى الكتاب » التوراة « وقفيَّنا من بعده بالرسل » أي اتبعناهم رسولا في إثر رسول « وآتينا عيسى ابن مريم البينات » المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص « وأيدناه » قويناه « بروح القدس » من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا « أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى » تحب « أنفسُكم » من الحق « استكبرتم » تكبرتم عن إتباعه جواب كلما وهو محل الاستفهام ، والمراد به التوبيخ « ففريقا » منهم « كذبتم » كعيسى « وفريقاً تقتلون » المضارع لحكاية الحال الماضية : أي قتلتم كزكريا ويحيى .
(trg)="s2.87"> ولقد أعطينا موسى التوراة ، وأتبعناه برسل من بني إسرائيل ، وأعطينا عيسى ابن مريم المعجزات الواضحات ، وقوَّيناه بجبريل عليه السلام . أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند الله لا يوافق أهواءكم ، استعليتم عليه ، فكذَّبتم فريقًا وتقتلون فريقًا ؟
(src)="s2.88"> « وقالوا » للنبي استهزاء « قلوبنا غُلْفٌ » جمع أغلف أي مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول قال تعالى : « بل » للإضراب « لعنهم الله » أبعدهم من رحمته وخذلهم عن القبول « بكفرهم » وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم « فقليلا ما يؤمنون » ما زائدة لتأكيد القلة أي : إيمانهم قليل جداً .
(trg)="s2.88"> وقال بنو إسرائيل لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قلوبنا مغطاة ، لا يَنْفُذ إليها قولك . وليس الأمر كما ادَّعَوْا ، بل قلوبهم ملعونة ، مطبوع عليها ، وهم مطرودون من رحمة الله بسبب جحودهم ، فلا يؤمنون إلا إيمانًا قليلا لا ينفعهم .
(src)="s2.89"> « ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم » من التوراة : هو القرآن « وكانوا من قبل » قبل مجيئه « يستفتحون » يستنصرون « على الذين كفروا » يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان « فلما جاءهم ما عرفوا » من الحق وهو بعثة النبي « كفروا به » جحداً وخوفاً على الرياسة وجوابُ لما الأولى دل عليه جواب الثانية « فلعنة الله على الكافرين » .
(trg)="s2.89"> وحين جاءهم القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه ، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب ، ويقولون : قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان ، وسنتبعه ونقاتلكم معه . فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه . فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وكتابه الذي أوحاه الله إليه .
(src)="s2.90"> « بئسما اشتروا » باعوا « به أنفسهم » أي حظها من الثواب ، وما : نكرة بمعنى شيئاً تمييز لفاعل بئس والمخصوص بالذم « أن يكفروا » أي كفرهم « بما أنزل الله » من القرآن « بغياً » مفعول له ليكفروا : أي حسداً على « أن ينزل الله » بالتخفيف والتشديد « من فضله » الوحي « على من يشاء » للرسالة « من عباده فباءوا » رجعوا « بغضب » من الله بكفرهم بما أنزل والتنكيرُ للتعظيم « على غضب » استحقوه من قبل بتضييع التوراة والكفر بعيسى « وللكافرين عذاب مُهين » ذو إهانة .
(trg)="s2.90"> قَبُحَ ما اختاره بنو إسرائيل لأنفسهم ؛ إذ استبدلوا الكفر بالإيمان ظلمًا وحسدًا لإنزال الله من فضله القرآن على نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فرجعوا بغضب من الله عليهم بسبب جحودهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد غضبه عليهم بسبب تحريفهم التوراة . وللجاحدين نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم عذابٌ يذلُّهم ويخزيهم .
(src)="s2.91"> « وإذا قيل لهم آمِنوا بما أنزل الله » القرآن وغيره « قالوا نؤمن بما أنزل علينا » أي التوراة قال تعالى : « ويكفرون » الواو للحال « بما وراءه » سواه أو بعده من القرآن « وهو الحق » حال « مصدقاً » حال ثانية مؤكدة « لما معهم قل » لهم « فلم تقتلون » أي قتلتم « أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين » بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتلهم والخطاب للموجودين في زمن نبينا بما فعل آباؤهم لرضاهم به .
(trg)="s2.91"> وإذا قال بعض المسلمين لليهود : صدِّقوا بما أنزل الله من القرآن ، قالوا : نحن نصدِّق بما أنزل الله على أنبيائنا ، ويجحدون ما أنزل الله بعد ذلك ، وهو الحق مصدقًا لما معهم . فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حقًا لآمنوا بالقرآن الذي صدَّقها . قل لهم -يا محمد- : إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله عليكم ، فلماذا قتلتم أنبياء الله مِن قبل ؟
(src)="s2.92"> « ولقد جاءكم موسى بالبينات » بالمعجزات كالعصا واليد وفلق البحر « ثم اتخذتم العجل » إلَهاً « من بعده » من بعد ذهابه إلى الميقات ، « وأنتم ظالمون » باتخاذه .
(trg)="s2.92"> ولقد جاءكم نبي الله موسى بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه ، كالطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع ، وغير ذلك مما ذكره الله في القرآن العظيم ، ومع ذلك اتخذتم العجل معبودًا ، بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه ، وأنتم متجاوزون حدود الله .
(src)="s2.93"> « وإذ أخذنا ميثاقكم » على العمل بما في التوراة « و » قد « رفعنا فوقكم الطور » الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم وقلنا « خذوا ما آتيناكم بقوة » بجد واجتهاد « واسمعوا » ما تؤمرون به سماع قبول « قالوا سمعنا » قولك « وعصينا » أمرك « وأشربوا في قلوبهم العجل » أي خالط حبه قلوبهم كما يخالط الشراب « بكفرهم ، قل » لهم « بئسما » شيئا « يأمركم به إيمانكم » بالتوراة عبادة العجل « إن كنتم مؤمنين » بها كما زعمتم . المعنى لستم بمؤمنين لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل ، والمراد آباؤهم : أي فكذلك أنتم لستم بمؤمنين بالتوراة وقد كذَّبتم محمداً والإيمان بها لا يأمر بتكذيبه .
(trg)="s2.93"> واذكروا حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من التوراة ، فنقضتم العهد ، فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم ، وقلنا لكم : خذوا ما آتيناكم بجدٍّ ، واسمعوا وأطيعوا ، وإلا أسقطنا الجبل عليكم ، فقلتم : سمعنا قولك وعصينا أمرك ؛ لأن عبادة العجل قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر . قل لهم -أيها الرسول- : قَبُحَ ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلال ، إن كنتم مصدِّقين بما أنزل الله عليكم .